الدرس اللغوي: السطر الشعري
تعريف
السطر الشعري تركيبة ايقاعية تتسم بتكرار وحدة موسيقيةمعينة (التفعيلة) دون أن تلتزم بعدد محدد من الوحدات أو اخضاعها لبناء خارجي تابث، وبذلك فالسطر الشعري يتجاوز بنية الشطرين الموزونين إلى "بنية" الوحدة الايقاعية (التفعيلة) التي تسمح للشاعر بالتكرار ما شاء من المرات دون قيد.
يتميز السطر الشعري بالآتي:
1- أنه يتيح للشاعر الحرية في اختيار عدد الوحدات (التفعيلات) تبعا للرؤية الشعرية وما يرتبط بها من حالات شعورية وانفعالية، فقد يتضمن النص الشعري تفعيلة واحدة أو جزءا من تفعيلة أو أكثر من تفعيلة واحدة.
2- أنه لا ينحصر في جملة تامة، وإنما من الممكن أن يكون كلمة واحدة شريطة أن تكون منسجمة من حيث بنيتها مع الأوزان الموظفة في الأسطر الشعرية الأخرى، فالتجربة الشعورية عند الشاعر هي المتحكمة في طول السطر الشعري أو قصره.
3- بما أن الشاعر الحديث لا يلتزم بعدد محدد قبليا من التفعيلات، فإن الضرب قد يأتي بعد حشو طويل قد يصل إلى ست تفعيلات أو أكثر، وقد تشغل تفعيلة واحدة سطرا كاملا فتكون عندئد ضربا.
4- إن السطر الشعري لا يعتمد الألفاظ في بعدها اللغوي المعجمي (مراعاة أواخر الكلمات) كما هو الحال في البيت الشعري التقليدي، بل إنها تعتمد الحاسة الموسيقية لدى الشاعر إذ تكون لكل مجموعة من الأسطر الشعرية ايقاعاتها الخاصة بها، تبعا لعدد التفعيلات من جهة ولنوعية الحروف والكلمات الواردة فيها من جهة أخرى.
5- يمكن لمعنى من المعاني أن يتجاوز السطر الشعري الواحد فيتحول إلى جملة شعرية والتي هي عبارة عن بنية موسيقية تمتد لتصل إلى خمسة أسطر شريطة أن تحافظ على الخصائص الايقاعية والدلالية التي تحقق الانسجام بين تلك الأسطر.
يجوز تنويع الأوزان بين الأسطر الشعرية في القصيدة الواحدة في الحالات التالية:
1- إذا كان السطر الجديد بداية لمقطع جديد في القصيدة.
2- إذا كان السطر الشعري يعبر عن تحول في الموقف الشعري لدى الشاعر.
3- إذا كان هناك تكامل فيما بين التفعيلة المستعملة في السطر الأول والتفعيلة في السطر الذي يليه.
نص شعري1: في الليل - بدر شاكر السياب
I- التأطير
ينتمي النص لحركة الشعر الحر وهي الحركة الشعرية التي حاولت التحرر من قيود الشعر القديم كجزء من حركة تحررية عامة في الوطن العربي خصوصا بعد نكبة فلسطين وانهيار الثقة في التيار التقليدي وذلك بهدف تطويع الشكل لصالح الموضوع وابراز الوظيفة التعبيرية عن التجربة الذاتية للشاعر اضافة الى هدف عام وغاية كبرى تتمثل في تحقيق حلم جماعي بالحرية والتغيير، ومن أهم خصائصها الاستغناء عن نظام البيت ذي الشطرين واعتماد السطر الشعري للحفاظ على القافية مع تنويعها، التخفيف من قيود البحور الخليلية بالتصرف في عدد التفعيلات، جعل القصيدة كلا موحدا (وحدة القصيدة)، التركيز على الايقاع الداخلي، ربط الصور الشعرية بالحياة المعاصرة.
وهذا النص الشعري هو لأحد رواد هذه الحركة، الشاعر بدر شاكر السياب الذي بدا مسار هذا الشعر الحر في أواخر الأربعينات إلى جانب نازك الملائكة، وهو شاعر عانى من المرض وفقد الأم منذ الصغر وقد توفي وهو لم يتجاوز 38 سنة بعد رحلة علاج بإحدى مصحات لندن ليموت بالكويت سنة 1964 مخلفا وراءه العديد من القصائد من أشهرها "المطر" "أزهار ذابلة" "حفار القبور" ... وهذه القصيدة من ديوان أعماله الكاملة الصادر عن دار العودة بيروت 1971
فإلى أي حد مثل هذا النص حركة الشعر الحر؟ وما هي أهم مضامينه ومميزاته الشكلية ؟
II- الاشكالية
1- قراءة العنوان
في الليل
تركيبيا: شبه جملة متعلق بخبر لمبتدأ محذوف
دلاليا: الليل فضاء زمني يوحي بالخوف والكآبة وايضا هو زمن الابداع والتأمل مما يوحي بمعاناة الشاعر في جوف الليل.
2- قراءة بعض المؤشرات
السطر الأول والثاني: الحديث عن جو متوحش اذ الغرفة مغلقة والصمت مهيمن عليها وهذا يعزز ما يوحي به العنوان ويزداد هذا التعزيز بقراءة الأسطر 10و11و12.
3- فرضية القراءة
لعل النص يفصح عن معاناة الشاعر من الوحدة والألم منفردا في الليل في غرفته الموصدة.
III- الفهم
الوحدة 1: تعبير الشاعر عن الجو الكئيب والصامت في غرفته والذي نتج عنه الشعور بالوحدة والعزلة في الليل.
الوحدة 2: توهم الشاعر لخروجه من الغرفة وذهابه إلى اللقاء بأمه في المقبرة.
الوحدة الثالثة: اتخاد الشاعر لقرار العيش في عالم الوهم مادام سيحمله إلى أمه.
تقويم الفهم
معاناة الكاتب من العزلة بغرفته ليلا مما يجعله يتوهم قيامه برحلة الموت للقاء أمه.
IV- التحليل
1- الحقول الدلالية
للتعبير عن معاناته اعتمد الشاعر حقلي الزمان والمكان في علاقة تكامل تختزل هذه المعاناة كالتالي:
حقل الزمان: الليل، يوم، الحشر، مر الزمن، الليل
حقل المكان: الغرفة، المقبرة، دربي، الطرق..
وهكذا تلخص الأمكنة والأزمنة معاناة الشاعر. تميز النص بمضمون قوي للأم وذلك راجع إلى معاناة الشاعر من فقدانه لأمه عند الصغر.
2- البنية البلاغية
كما تميز زمن النص بين حاضر ميؤوس منه ومستقبل مرغوب في قدومه (سآخذ دربي) ولتقريب معاني المعاناةداخل الغرفة في زمن الليل وظف السياب صورا بلاغية منها:
س6: تشبيه مرسل مفصل، فالصورة الشعرية تكونت من خلال اللغة والخيال عن طريق التشبيه لتحقق وظيفة وصفية للمكان ذات حمولة انفعالية تتضمن معاني الحزن والخوف.
س15: من خلال مكون الاستعارة والخيال واللغة حيث يتخيل الشاعر المقبرة كانها امرأة ثكلى (فقدت ابنها) وفي ذلك استحضار لعلاقته بأمه.
وباعتبار النص يدخل ضمن تكسير البنية فقد اهتم السياب كثيرا بالايقاع الداخلي ومن ذلك تكرار الحروف الذي له موضوع بالقصيدة بل وبكل مقطع اضافة الى تكرار الكلمات المرتبطة بالموضوع (الغرفة، الباب، الليل، المقبرة، أمي)
ونجد أيضا من خلال التوازي الصوتي (فينصت لين يترصد بي) والتوازي التركيبي (س12 س14 واو العطف+فعل ماض+تاء المتكلم)
واجمالا فالقصيدة تمثيل لتيار تكسير البنية، إذ هناك اتويع في القافية والروي (الباء، الميم، الراء) مع التصرف بكل حرية في التفعيلات لكل سطر شعري.
الدرس اللغوي: المقطع الشعري
|
قال الشاعر دنقل في قصيدة :" الطيور"
1
1 الطيورُ مُشردةٌ في السَّموات, 2 ليسَ لها أن تحطَّ على الأرضِ, 3 ليسَ لها غيرَ أن تتقاذفَها فلواتُ الرّياح! 4 ربما تتنزلُ.. 5 كي تَستريحَ دقائقَ.. 6 فوق النخيلِ - النجيلِ - التماثيلِ - 7 أعمِدةِ الكهرباء - 8 حوافِ الشبابيكِ والمشربيَّاتِ 9 والأَسْطحِ الخرَسانية. ...... 10 سُرعانَ ما تتفزّعُ.. 11 من نقلةِ الرِّجْل, 12 من نبلةِ الطّفلِ, 13 من ميلةِ الظلُّ عبرَ الحوائط, 14 من حَصوات الصَّياح! 2 15 والطيورُ التي أقعدتْها مخالَطةُ الناس, 16 مرتْ طمأنينةُ العَيشِ فَوقَ مناسِرِها.. 17 فانتخَتْ, |
18 وبأعينِها.. فارتخَتْ,
19 وارتضتْ أن تُقأقَىَء حولَ الطَّعامِ المتاحْ 20 ما الذي يَتَبقي لهَا.. غيرُ سَكينةِ الذَّبح, 21 غيرُ انتظارِ النهايه. 22 إن اليدَ الآدميةَ.. واهبةَ القمح 23 تعرفُ كيفَ تَسنُّ السِّلاح! 3 24 الطيورُ.. الطيورْ 25 تحتوي الأرضُ جُثمانَها.. في السُّقوطِ الأخيرْ! 26 والطُّيُورُ التي لا تَطيرْ.. 27 طوتِ الريشَ, واستَسلَمتْ 28 هل تُرى علِمتْ 29 أن عُمرَ الجنَاحِ قصيرٌ.. قصيرْ?! 30 الجناحُ حَياة 31 والجناحُ رَدى. 32 والجناحُ نجاة. 33 والجناحُ.. سُدى! |
إن تتالي المقاطع الشعرية في القصيدة الحديثة لا يعبر عن مجرد اختيار شكلي لتوزيع الأسطر الشعرية عبر فضاء بصري معين، بل أن له ارتباطا وثيقا بالتجربة الوجدانية التي يصدر عنها الشاعر في قوله الشعري من جهة، وبطبيعة الرؤيا الفنية والجمالية المؤطرة لتلك التجربة من جهة أخرى.
نص شعري 2: مصطفى المعداوي - طيف
I- التأطير
قصيدة شعرية بنظام السطر الشعري بمعنى تكسير بنية الشعر القديم والنسج على منوال الشعر الحر وهي للشاعر المغربي مصطفى المعداوي من ديوانه الصادر عن دار الكتاب بالدار البيضاء.
ما هو موضوع هذه القصيدة؟ وما هي المظاهر الخاصة بالتجديد والتكسير في هذه القصيدة؟ ثم ما هي الرؤى الخاصة بالشاعر نحو موضوع ها النص الشعري؟
II- الملاحظة
1- قراءة العنوان
تركيبيا: طيف: ركب العنوان تركيبا اسميا وهو مبتدا خبره مقدر في النص
دلاليا: الخيال الطائف بالانسان أثناء النوم.
2- قراءة المقطع الأول
مناداة الشاعر لطيف السعادة متمنيا اقباله عليه.
3- قراءة المقطع الأخير
استمرار الشاعر في مناداته ومتمنياته لطيف السعادة
4- فرضية القراءة
نفترض أن النص عبارة عن معاناة لا منتهية
III- قراءة وفهم النص
المقطع الأول:
* مناداة الشاعر لطيف السعادة مع استحضاره ذكريات الماضي الجميلة
* مناداة الشاعر للطيف مشبها اياه باللحن الجميل
* مناداته للطيف الغائب وحديثه عن غناء حمامة السلام.
* تشبيه الشاعر للطيف باللحن ودعوته للعودة من جديد
* استمرار الشاعر في مناداة الطيف السعيد واستمرار متمنياته باقباله عليه.
تقويم الفهم
القصيدة تعبر عن معاناة الذات الشاعرة التي التمست في عالم الطبيعة والخيال حلولا لمعاناتها دون جدوى.
IV- التحليل
هيمن على النص أسلوب النداء حيث ينادي الشاعر على الطيف واصفا اياه بمواصفات جميلة (المرفرف، مغرد، الطروب) كما يصفه بالمودع دلالة على أن الشاعر راغب في حضوره الجميل ويدل ايضا على ان الحاضر كله معاناة ولعلها معانة مرتبطة بالسياق العام للقصيدة المتمثل في الاستعمار الفرنسي لوطنه المغرب حيث الحرب والقمع وهذا ما جعله يوظف الرمز الدال على السلام (حمامة بيضاء) كما نرصد الحضور الكثيف للنداء حيث الشاعر شديد التعلق بالطيف ويتمنى حضوره بل ويحضه على هذا الحضور.
وفيما يخص مكون الزمن فقد توزع ما بين حاضر مرير وماض ذي طكريات جميلة ومستقبل مرغوب في حدوثه، فالشاعر ينادي الطيف السعيد ليحضر في المستقبل حتى يتجاوز محنته وفي انتظار ذلك يستحضر ذكريات الماضي الجميل ( كانت لنا حبا وأحلاما سعيدة..)
ولتقريب معاني النص اعتمد الشاعر صورا بلاغية من خلال التشبيه المرسل المجمل والاستعارة حيث الحياة تشكي وحيث الطيف له شفاه ... وهذا يذكرنا بالتيار الرومانسي والاتجاه الوجداني في الشعر الحديث .
أما فيما يخص الايقاع فقد اهتم المعداوي بالايقاع الداخلي اهتماما بالغا باعتبار القصيدة نموذجا من تكسير البنية حيث نرصد غلبة أسلوب التكرار كتكرار الحروف المهموسة (نسمة، ابتسامات، مشاعري) فالسين والشين تدلان على المعاناة في صمت، وبالنقابل هناك حروف انفجارية (الراء، الميم، الباء) التي تدل على محاولة الشاعر للتخلص بقوة من أغلال الاستعمار أو لاستقدام الطيف، اضافة الى ذلك نجد التوازي ومنه التوازي التركيبي ( يا أيها الطيف/يا ايها اللحن) والتوازي الصوتي (س1 و س2) وقد قام هذا التكرار والتوازي بوظيفة توكيدية لرغبة الشاعر لمستقبل معين كما لديهما وظيفة ايقاعية تزيينية.
أما فيما يخص الايقاع الخارجي فقد اعتمد المعداوي على الشعر القديم لكنه تخفف من قيوده مكسرا نظام البيت الشعري ومعتمدا عوضه على السطر الشعري وهو لم يلتزم بالتفعيلات (س1 وس5)
كما نرصد تحررا من قيود القافية الموحدة وهذا راجع إلى مدى تأثره بظاهرة الشعر الحديث حيث تكسير البنية وتجديد الرؤية، فقصيدته في مضونها تعالج موضوع النضال بطريقة خاصة حسب رؤية الساعر ومن حيث الشكل فهي نموذج من النماذج التي تخلصت من قيود الشعر القديم.
الدرس اللغوي: الوقفة العروضية والدلالية
1ـ قال نزار قباني "طوق الياسمين"
شكراً... لطوقِ الياسَمينْ
وضحكتِ لي.. وظننتُ أنّكِ تعرفينْ
معنى سوارِ الياسمينْ
يأتي بهِ رجلٌ إليكِ
ظننتُ أنّك تُدركينْ
وجلستِ في ركنٍ ركينْ
تتسرَّحينْ
وتُنقِّطين العطرَ من قارورةٍ وتدمدمينْ
لحناً فرنسيَّ الرنينْ
لحناً كأيّامي حزينْ
2ـ قال محمد الخمارالكنوني : " اليد العليا"
أيُورِقُ مقْعَدِيَ الخَشَبيُّ يَحْيَا ...؟
مثلَ جِدْعٍ قُدَّ مِنْ شجَرِ
تَوَهَّجَ بَعْضُهُ في نارِ مدْفَأَةٍ
وبَاتَ البعضُ بين الريحِ والمَطَرِ.
3ـ قال أحمد المجاطي : "القدس"
رأيتكِ تدفنينَ الريحَ
تحت عرائش العتمهْ
وتلتحفـــين صمتكِ خلف أعمدةِ الشبابيكِ
تصبين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الأحقابْ
ويظمأ كلُّ ما عتَّقتُ منْ سحبٍ و من أكوابْ
تدل الوقفة على انحباسى الصوت أثناء الكلام، أو على توقف أثناء القراءة عند الفواصل والنقط.
أما اصطلاحا، فالوقفة في الشعر العربي هي التقفية في القصائد القديمة، وهي وقفتان:
1- الوقفة العروضية:
وفيها يقف الشاعر في آخر السطر الشعري أو أثناءه شريطة الانتهاء بالتفعيلات كاملة مع حرية في اختيار القوافي، وبذلك تكون الوقفة إما عند نهاية كل الأسطر الشعرية أو نهاية أغلب الأسطر بقافية واحدة أو التنويع في ذلك بين الأسطر.
وتتعلق هذه الوقفات بالتدفق الوجداني عند الشاعر وحالته الانفعالية (الدفقة الشعورية) وقد يضحي بالمعنى في نهاية السطر من أجل هذه الوقفة العروضية أي أن هذه الأخيرة تكون على حساب الوقفة الدلالية.
2- الوقفة الدلالية:
لا يقف الشاعر عند هذه الوقفة إلا عندما يكتمل المعنى، وقد يكتمل عند نهاية السطر وقد يستمر أكثر من ذلك فينتهي عند سطر آخر أو داخل جزء داخل هذا السطر.

